الشاعر عبدالرحمن الطرجي... يكتب هَوَى الأيام

هَوَى الأيام

أدِيمٌ من الأحزانِ والوجدِ والوَلَهْ
كَسَاهُ النوى ثوباً كئيباً وسَربَلَهْ

و حَشْوٌ به نارٌ كأنّ أزيزَها
نِداءاتُ مشتاقٍ يقاومُ مَقتَلَهْ

وعينانِ قد غارَتْ وكفّ انهمارُها
فماتَ لها خَدٌّ وزهرٌ مُذَبَّلَةْ

وكم كانتا تهمي بحزنٍ وفرحةٍ
وكم هطْلُها أروى الفوادَ وبَلَّلَهْ

فأصبحَتا قَفْراً كأطلالِ مَن مَضوا
مُهدّمةً أرخى لها الدهرُ مِعْوَلَهْ

فما عادتِ الأحزانُ تُزْجي شُجونَها
وأفراحُها شُدّتْ فقُطّعَتِ الصِلَةْ

فلا الحزنُ يُبْكيها بِمُرِّ خُطوبِهِ
ولا السعدُ يرويها كبئرٍ مُعَطّلَةْ

ألا ليتَ شِعرِي ليتني كنتُ شاعراً
لوصفِ شعورَ القلبِ بيتاً مُفَصّلَةْ

فما وَجْدُ أيامي لشيءٍ فقدتُهُ
وفقدُكَ للأيامِ قد كان أهْوَلَهْ

وما جزَعَتْ نفسي سوى أنّ خافقي
يضخُ دماءَ الروحِ يشتاقُ مُهْمِلَهْ

وماذا على قلبي..فقد عاشَ عاشقاً
رقيقَ الحواشي مُرْهَفَ الشعرِ مُرْسَلَهْ

يحسُّ بما في الناسِ دونَ صراحةٍ
ويشتَفُّ من ليلِ المشاعرِ ألْيَلَهْ

فللهِ يا شعري لماذا تركتَني
أجوبُ قِفارَ الحرفِ أعلى وأسْفَلَهْ

كأني بلا حرفي قصيدٌ بلا رَوِيْ
تبعثَرَ فيهِ الخطُّ والسطرَ مَيَّلَهْ

فهلّا أتيتَ اليومَ للعشقِ ناعياً
فما باتَ في العشاقِ خِلٌّ ليحمِلَهْ

فهذا مصيرُ الباطشينَ بأهلِهِمْ
يموتُ فلا تلقى إلى القبرِ مُنْزِلَهْ

وما عُدّتِ الخِلّانُ إلا لِضيقةٍ
وهل ضاقَ مثلَ الذُلِّ شيءٌ و مَثّلَهْ

خليلَيَّ عُوجاْ بي لنسألَ حَيَّنا
فما فعَلَتْ دارٌ أراها مُقَفَّلَةْ

وجدرانُها أضحى الغبارُ يضُمّها
يشُمُّ بها عَهْداً من الحُبِّ خَوَّلَهْ

تنضَّرَ فيهِ اللِّبْنُ دهراً بشمسِهِ
وفاحَ به عِطرٌ من المِسْكِ سَجّلَهْ

فأضحَتْ بلا نورٍ كأنّ نهارَها
ثيابٌ على ليلٍ حَلُوكٍ مُسَدَّلَةْ

أرى حولَ ذاكَ الدارِ عُمْرًا قضيتُهُ
بريئًا كما فَسّرتُ ذا الكونَ مُجْمَلَهْ

وفوقَ نقوشِ البابِ دمعاً مُراقَةً
وأقفالهُ كادتْ تصيحُ مُوَلْوِلَةْ

فعُذراً أيَا قُرّاءَ شِعرِي فإنني
عَجَزتُ بأنْ أمضي جريئاً لأدخُلَهْ

ففيهِ من الأشواقِ ما اللهُ عالمٌ
لإنسانةٍ كانَتْ لديهِ مُجَللَةْ

هي الشمسُ قد غابتْ وراءَ تلالِها
بليلٍ بلا صُبحٍ يجيءُ لِيُبْدِلَهْ

وغادرتُها أخطو وخَطُّ مدامعي
يَخُطُّ حروفاً باهتاتٍ مُخَمَّلَةْ

كأنّ على ذاكَ الأديمِ حَنانَها
فللهِ ما أزكى الترابَ وأجمَلَهْ

فَسِيرا بنا صحبي فنأتي مدينةً
تَغَنَّوا بها شِعْرًا ونثْرًا و زَوْمَلَةْ

فهل عادَ ذاكَ الدهرُ يزهو زُهُوَّهُ
إذا مَرَّ في صنعا خميسٌ وقَبَّلَهْ

وهل عادَ فيها الحُسْنُ صُبحًا مُرَفْرِفًا
على جُدُرٍ مِن كلِ نقشٍ مُكَلّلَةْ

وفي إبِّنا الغَنّاءِ ما زالَ غيمُها
بِوَابلِهِ لو عانَقَ الشُمَّ أرسَلَهْ

وهل ظلَّ سِحرٌ في سما عَدَنٍ كما
تعُجُّ بها أوصافُ شعرٍ مُحَجّلَةْ

وهل في تَعِزَّ العِزِّ نلقى جِبالَها
وخُضْرةَ واديها الضبابِ وجَدوَلَهْ

ورونَقَ أنغامٍ بلهجةِ أهلِها
وقلعتَها تعلو الجبالَ مُبَجّلَةْ

فقد نزعوا من كلِ أرضٍ جميلَها
كما أخذوا مني فؤاداً أتوقُ لَهْ

فيا لائمي فيما أقولُ فإنّ ليْ
صِحابًا فيكفيني ملامًا وأسْئلَةْ

وليسَ جُذاذَ المالِ أبغي وفورَهُ
فللّهِ كلُّ الحمدِ أعطى وأجْزَلَهْ

ولكنما قلبٌ أريدُ مَنَالَهُ
فأسكُنُ قلباً لا أُبارحُ مَنزِلَهْ

يُلملمُني إمّا أتِيهُ بضمّةٍ
ويسكبُ من ماءِ المحبةِ سَلْسَلَهْ

فهل أنّ قلبي لا يُطاوعُ عقلَهُ
مدى الدهرِ ما سارا سوِيّاً بمسأَلَهْ

كطفلٍ على جَرفٍ يُطاولُ طائراً
ووالدُهُ قد سَمّرَ الخوفُ أرجُلَهْ

فَلِلّهِ ما أشقى الهوانَ بنونِهِ
شقاءٌ به يشقى الذي قد تَقَبّلَهْ

وإنْ نُزِعَتْ نونٌ لتجميلِهِ فلا
هناءٌ به حتى لمن كانَ جَمّلَهْ

وليسَ على هاوٍ مغبّةَ عِشقِهِ
وليسَ له شيئا لديهِ ليفعَلَهْ

وليسَ له شيئا من الأمرِ آخِراً
وليسَ له شيئا من الأمرِ أوّلَهْ

عبدالرحمن الطرجي#

إرسال تعليق

0 تعليقات