رثاء فقيد... للشاعر عبدالرحمٰن الطرجي

خواطر في موت المغفور له بإذن الله، المهندس: عبدالقوي عبدالجليل علي



*رثاء الحزن*


فجرٌ أتى ضوءُه كالليلِ وافاني
وبسمةُ الفجرِ قد سِيمَتْ بأشجانِ

وأظلمَ الكونُ و اشتدّتْ حَوَالِكُه
وضلَّ عن عينِه أهدابُ أجفاني

فلستُ أدري فهل شمسُ الضحى انكسفتْ
أم جانَبَ النورُ أن تلقاهُ عينانِ

أم حالَ دونَهُما نَعْيٌ لِسَامِقةٍ
تُدَكُّ من نَعيِهِ أركانُ ثهلانِ

سهمٌ مع النعيِ في قلبي أتى سَحَرا
وشقَّ مجرىََ لتجري فيه أحزاني

فَطَاشَ لُبُّ الذي بالعقلِ مُتّصِفٌ
ومَارَ قلبٌ لهذا الفاقِدِ العاني

أبا أسامةَ ماذا القولُ ينفعُنا
بالشعرِ حتى الرِثا قد صارَ يهواني

وما يزيد فؤادي حرقةََ وأسىََ
أني بعيدٌ وحولي طَوقُ نيرانِ

مدينتي حُوصرَتْ بالحربِ تحبسُني
والموت منتشرٌ في أرض خلاني

أُحرِمتُ حتى بأنْ ألقي لكم نَظري
في لحظةٍ مالنا من بعدها ثاني

قد ماتَ حُزني بِخَطْبٍ فاقَ قدرَتَهُ
دَفَنتُهُ وسطَ قلبي قُربَ جُثمانِ

فجِئتُ أرثي سِراجََا شمسُهُ غَرَبَتْ
وكانَ عِطرََا سيبقى طولَ أزمانِ

وجاءَ شِعري دموعًا كنتُ أكتُمُها
رِثاءَ حُزنٍ أتى من غيرِ حسبانِ

لستُ الوحيدَ الذي يرثيهِ في ألَمٍ
ولستُ آخِرَ مَن يبكي بِوجدانِ

يرثِيهِ ضيفٌ وتبكي كلُّ مَكْرُمةٍ
في موتِهِ صَرَخا نحنُ اليَتيمانِ

أبا أسامةَ إنَّ الخَطْبَ أوجَعَني
كغَدرِ خِلٍّ بظهري هدَّ أركاني

تركتَ قلبي كسيرََا هالكََا كمَدا
يُعيدُ ذكرى تَوَارَتْ قبلَ إتيان

و إخْوَةََ لي على ودٍّ تُجَمِّعُنا
صداقةٌ رَحبَةٌ مأوىً لِتَيْهانِ

ظِلالُها شَمَلَتْ قلبي ووَحشَتَهُ
مِن مُزْنِها ترتَوِي بالحُبِّ أغصاني

لمّا رَحلتَ فَهُمْ كالشّوقِ مُلْتَهِبًا
أُحِسُّهُ مِنهُمُ كالنارِ تغشاني

أُحِسُّهُ رغمَ بُعدِ البَينِ فرّقَنا
حَلّوا بِصَنعا بعيدََا عنه بُنْياني

وهاتفي صارَ طَوعًا لا يفارقُني
أضحى وريدًا لنا مِنهم بِشريانِ

قد كانَ *إلياسُهم* دوماً يُراسلُني
وقلبُهُ مُفعَمٌ دومًا بألحانِ

ألحانِ فَرحَتِهِ من صوتِ طِيبَتِهِ
مِن عُودِ بَهجَتِهِ في شكلِ فَنّانِ

والآنَ لستُ أرى إلا كآبَتَهُ
وإنْ بَدَاْ فَرحََا في عينِ إنسانِ

أرى مَرَارَتَهُ في الحرفِ يكتُبُهُ
يأتي بلا نُقَطٍ أو دونَ عِنوانِ

واليوم عِيدٌ لَبستُ الثوبَ يهمِسُ لي:
"ما كنتُ للحُزْنِ سَتَّارََا بِكتْمانِ،

ثوبٌ جديدٌ وهذا ليسَ يمنعُني
أن أجعلَ القلبَ يُبدي دمعَ عِصيانِ"

في حينِها سَكَبَتْ عينايَ دمعَهُما
لمّا تذكرتُ *إلياسََا* و إخواني

أخذتُ هاتِفَهُ حتى أُهَنِّئَهُ
لعلَّ حُزني بصوتٍ منه ينساني

ما كنتُ أحسَبُ غيرَ الموتِ يفجعُني
حتّى أتى الحُزنُ في *إلياسَ* أبكاني

كُلُّ الجِراحِ لها شكلٌ ونعرِفُهُ
وجرحُ قلبي صديقي غيرُ فرحانِ

في مَوتِ والدِهِ أرثي بَشَاشَتَهُ
وأسكبُ الدمعَ أسقيها فتنعاني

وكيفَ يسلو فؤادي دونَ فرحَتِهم
وجُرحُهم لم يَزلْ فيهم و يَنْكاني

وكيفَ يحيا فؤادٌ كلُّ غُربَتِهِ
تضاعفتْ بينَ بُعدٍ ثُمَّ حِرمانِ

أم كيفَ ألقى بِعِيدي فرحةََ وسَلَا
وعيدُهم صارَ في قبرٍ و أكفانِ

إنّي بِهم لبسوا في العيدِ أقمِشةً
نسيجُها الحُزنُ من دُكّان فقدانِ

تشتاقُ أعيُنُهم في البيتِ طَلَّتَهُ
في كلِّ ناحيةٍ منها و أركانِ

تَدُورُ ليسَتْ ترى إلا مَآثِرَهُ
قد كانَ يمشي هُنا رُوحًا لِأبدانِ

تُشَمُّ رِيحَتُهُ من كلِّ زاويةٍ
ما هَبَّ فيها نسيمٌ باردٌ هاني

فَتَغمُرُ القلبَ بالذكرى وتُلهِبُهُ
كأنما أحرِقَتْ أسبابُ نسيانِ

ما ماتَ مَن باتَ محفوظًا بأفئِدَةٍ
وليسَ يفنَى جميلُ الذِكرِ في آنِ

يا ربُّ فاغفرْ له ما قد مضى كَرَمًا
أكرِمْ ضَيَافَتَهُ عفواً بِرضوانِ

يا ربُّ واجعلْ له في قبرِهِ فُسَحًا
من جنّةِ الخُلْدِ في رَوْحٍ وريحانِ

أسْكِنْهُ في غُرَفِ الفردوسِ عالِيَها
مِن خمرِها يرتوي من غيرِ أدرانِ

جَلَّ الذي خَلَقَ النسيانَ في نِعَمٍ
على القلوبِ يُسَلِّيها بإيمانِ

أقدارُ ربي لها حينٌ تُنَفِّذُه
إيمانُ قلبي بهذا الخَطْبَ واساني

سُبحانَ من خَلَقَ الإنسانَ قَدَّرَهُ
عُمْرًا له أجَلٌ من دون بُخسانِ

والبدرُ إمّا بَدَاْ في الليلِ مُكتملًا
يُفنِيهِ شهرٌ وسَيفاهُ الهِلالانِ

فكُلُّ شيءٍ إذا ما صارَ مُكتملًا
مَصيرُهُ دائماً يجري لنقصانِ



*عبدالرحمن الطرجي#*

إرسال تعليق

0 تعليقات